آراء و أقلام الجمعة 08 يوليو 2016 01:43 صباحًا

حاسي سيتي13501812_1110067552347460_6954536949866919215_n

محمد بوعزة *

تعود التعددية الحزبية في المغرب إلى وقت مبكر من تاريخه السياسي، فقد جاء النص بشكل صريح في دستور1962 في الفصل الثالث أن نظام الحزب الوحيد ممنوع بالمغرب وكذلك نصت جميع التعديلات الدستورية اللاحقة (1970-1972-1992-1996-2011)، بصيغة لغوية مختلفة لكن بالمعنى نفسه وهوأن نظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع .

وتمثل الفترة من الاستقلال إلى حدود عام “1962” (تاريخ أول تجربة دستورية مغربية) وخاصة فترة حكومة ذ.عبد الله ابراهيم، نموذجا لمسعى سياسي تعددي لأنه تم اتخاذ العديد من القرارات لإقصاء الأحادية مثل تأسيس المجلس الوطني الاستشاري ومشاركة مختلف الهيئات السياسية في الحكومات المغربية 1و2و3 ثم إصدار ظهير الحريات العامة بتاريخ 13 نونبر 1958 مما اعتبر مناهضة لهيمنة الحزب الوحيد الذي كان يسعى إليها حزب الاستقلال باعتباره والقصر القوتين الوحيدتين في البلاد ومن الخصائص المميزة للمغرب انه لم يسع بعد استقلاله إلى إقامة نظام الحزب الوحيد على غرار بعض الأنظمة العربية – حزب البعث في بمصر وبعض دول المشرق- وربما يرجع ذلك للتدافع السياسي الذي امتاز به المغرب زمن الحماية  حيث عرف المغرب في إطار الحركة الوطنية تشكيلات “حزبية” هي حزب الاستقلال (دجنبر 1943 ) وحزب الشورى والاستقلال لمحمد بلحسن الوزاني وحزب الاصلاح الوطني لعبد الخالق الطريس وحزب الوحدة المغربية للمكي الناصري والحزب الشيوعي المغربي، ثم تميزت التجربة المغربية بكون المغرب هو البلد الوحيد في العالم الثالث الذي لم تتحمل فيه حركة التحرير الوطني مسؤولية السلطة بعد حصول البلاد على الاستقلال بل ومن دول عالم الجنوب القلائل التي أخذت بنظام التعددية الحزبية مند وقت مبكر، كما أن التطورات السياسية التي عرفها المغرب حول طبيعة النظام الملكي والدستور في  فجر الاستقلال عوامل حاسمة أو على الأقل مساعدة في منع نظام الحزب الوحيد وإقرار نظام التعددية الحزبية.

من هنا يبدو أن الأخذ بالتعددية الحزبية لم يكن تتويجا لمسار تاريخي واختيارات اجتماعية تحركها صراعات طبقية وإيديولوجية تترجم انقسام المجتمع إلى طبقات كما لا يترجم التزام المغرب بمبادئ الديمقراطية الليبرالية ولكن كان ذلك بسبب استحالة إقامة نظام يقوم على الحزب الوحيد وذلك انسجاما مع الطابع الملكي للنظام إذ تعتبر الملكية متناقضة بطبيعتها مع نظام الحزب الوحيد الحاكم، لأن ذلك سيعني أن هذا الحزب إما أن يكون حزب الملك في مواجهة الحركة الوطنية أو حزب هذه الأخيرة في مواجهة الملك، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى الإخلال بالتوازن السياسي الوطني.

ففي اللحظة التي كان “حزب الاستقلال” يسعى فيها إلى إقامة منظومة الحزب الوحيد. كانت المؤسسة الملكية تراهن على النظام الحزبي التعددي خصوصا وأن المغرب عند إعلان الاستقلال كان يعيش على مستوى النظام الحزبي تعددية فعلية، فقد كان هناك “الحزب الشيوعي المغربي”. وحزب “الشورى والاستقلال” و”حزب الإصلاح الوطني”، حزب “الوحدة المغربية” وحزب الأحرار المستقلين، هذه الأحزاب سعى حزب الاستقلال إلى ضم بعضها لصفوفه مباشرة بعد الاستقلال، كما حاول القضاء على الأحزاب الأخرى المعارضة لتوجهاته وهو ما حصل بالفعل مع حزب “الشورى والاستقلال الذي تزعمه الحسن الوزاني، وكذا الحزب الشيوعي المغربي.

ويمكن القول أن سياسة القصر الصامتة هي من عجل باندثار قوة الحزب خصوصا إذا ما رجعنا لقراءة السياق الذي تم فيه تعين حكومة عبد الله إبراهيم والرسائل التي تعمد القصر إرسالها إلى حزب الاستقلال إضافة للظرفية الزمنية التي تأسس فيها حزب الحركة الشعبية وانشقاق الجناح التقدمي من حزب الاستقلال … كلها أحداث سياسية أكدت بصورة أو بأخرى عزم ومضي المؤسسة الملكية في تطبيق استراتيجيتها المتمثلة في تكريس التعددية الحزبية داخل النظام المغربي، رغم رفض حزب الاستقلال لذلك إذ رأى في إصدار قانون ينظم الحريات العامة أمرا يهدد خياره الاستراتيجي إلا أن هذا لم يثني القصر على المضي في التأسيس الحقوقي للتعددية.

وبصفة عامة يمكن القول أن المنطق الذي كان محددا في إفراز هذه الظاهرة يتجسد في كون الحزب الوحيد لا يتماشى مع تمثيلية الملكية للأمة وتعبيرها عن الوحدة الوطنية وزعامة الملك للدولة، فالملكية والحزب الوحيد يعتبران مؤسستان متناقضتان، والملك محتاج للأحزاب للعب دور الحكم فوق جماعات متنافسة تحيّد بعضها البعض حتى لا ينهك نفسه في ممارسة مباشرة للحكم.

وخلاصة القول أنه إذا كانت التعددية الحزبية معترف بها منذ أول دستور للمملكة، إلا أنها تعددية حزبية فقط دون أن ترقى لتعددية سياسية، وكان الهدف منها إضعاف أحزاب الحركة الوطنية لتهيمن الملكية على المشهد السياسي وتضفي مشروعية ديمقراطية على مؤسساتها، وهذا ما نتج عنه اختلاف وتعدد في الأحزاب دون امتلاك لقوة اقتراحية وبدائل حقيقية، وبالتالي فهي تعددية متحكم فيها ويتم توجيهها لما يخدم مصلحة النظام وخير دليل على هذه الظاهرة الحزب الأغلبي الذي يكتسح الانتخابات بعد تأسيسه، فقبل حكومة التناوب كان بالإمكان التمييز بين ثلاثة تشكيلات حزبية، تتعلق الأولى بأحزاب معارضة إصلاحية وتشمل الثانية أحزاب معارضة جذرية في حين تتعلق التشكيلة الثالثة من أحزاب ترتبط وظيفتها بمساندة الاختيارات الاستراتيجية للنظام قبل أن تلتحق بالمشهد السياسي المغربي أحزاب ذات مرجعية إسلامية.

أما في الوقت الحالي فيبدو أن المغرب يسير نحو تكريس “ثنائية قطبية حزبية” تجمع ما بين المرجعية المحافظة – الاسلامية- الممثلة في حزب العدالة والتنمية، والمرجعية الحداثية – العلمانية إلى حد ما –  والممثلة في حزب الاصالة والمعاصرة.

ورغم ما قد يبدو ظاهريا من فروق أيديولوجية بين الكتلتين إلا أن الدستور والمكانة السامية للمؤسسة الملكية في النظام السياسي المغربي خاصة ما يتعلق بالفصل 42 من الدستور- إمارة المؤمنين- يجعل من هذه الفروق تذوب في أحضان المرجعية الاسلامية وثوابت المملكة ويجعل من هذه التعددية التي قد تبدو ظاهريا “تعددية سياسية” ،يجعل منها تعددية حزبية فقط؟

* باحث في الدراسات الدستورية والسياسية





أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.