آراء و أقلام الثلاثاء 12 يناير 2021 07:40 مساءً
                    حاسي سيتي.كم.نت
عرفت الكلیة المتعددة التخصصات بالناظور تنظیم عرض مسرحي أشرف علیھ اتحاد طلبة
المغرب (فصیل الطلبة القاعدیین)، وذلك یوم الخمیس 7 ینایر 2021 مساء. العرض المسرحي
تابِعٌ لفرقة أمزیان للمسرح، إدارة الأستاذ محمد أدرغال، ویحمل عنوان (كلام اللیل)، وھو في
الأصل عمل مقتبس عن مسرحیة (المھاجران) للكاتب (مروجك) أنْجزَه عبد الله أناس، ونجد في
السینوغرافیا والإخراج یاسین بوقراب، وفي الإكسسوار إلیاس بوزكو، أما التشخیص فكان لكل
من الممثلین القدیرین عبد الله أناس ویاسین بوقراب.
تتناول المسرحیة تیمة الھجرة والاغتراب في بلاد المھجر وبالأخص كما یشیر إلى ذلك العرض
(دولة ھولاندا) باعتبارھا ملاذا وموطنا مفضلا یقبل نحوه مھاجرو منطقة الریف، وتصف
مسرحیة (كلام اللیل) معاناة ھؤلاء المھاجرین في واقع مليء بالتناقضات لم یستطع المھاجر
الاندماج فیھ. نتصادف منذ الوھلة الأولى مع مُھاجِرَیْن یعیشان في قَبْوِ إحدى العمارات في ظروف مُزْریة یعملان بشكل دؤوب قصد كسب بعض المال،ویتصادف وجودھما مع احتفالات السنة
الجدیدة المیلادیة وما یطبع ھذه المناسبة من طقوس احتفالیة صاخبة وماجنة، وبھذا تعكس
المسرحیة عالَمَین متناقضین، عالم متحضر یوجد في أعلى العمارة وفي أعلى الترتیب، یمثل
الرقي الإنساني والمجتمع الغربي الرأسمالي، وعالم سُفلي مُھمّش مَنْبوذ مكلف بالقیام بأحَطِّ
الأعمال ویسكن في الأَقْبیّة مثل الجُرْذان، وھو ما یعكس صراعا طبقیا واستغلالا للید العاملة
الوافدة حتى في الغرب المتحضر نفسھ، إذا كان ھذا العالم السفلي مُمَثّل فوق الخشبة من خلال
الشخصیتین (المثقف، والعامل)، فإن العالم الفوقي جاء مُسْتَحْضَرا فقط، ومُتخیَّلا ومُتحَدَّثا عنھ من
خلال أصوات موسیقیة بواسطة تقنیة البلاي باك وتلفظات كلامیة تشیر إلى ھذه الفئة، مما یدل
على تبئیر واقع المھاجر والتركیز على معاناتھ فوق الخشبة.
المھاجران مختلفان في توجھاتھما، فإذا كان دور المثقف الذي أداه الممثل عبد الله أناس یسعى نحو
عالم أفضل والاندماج في الواقع الأوربي والاستمتاع بملذات الحیاة المُتاحة، فإن دور العامل الذي
جسده یاسین بوقراب، یتوخى توفیر النقود ویعیش الضیق والعوز نفسھ الذي عاشھ في بلاده،
ویسعى العودة لبلاده بما ادخره. الشخصیتان تتجادلان وتتصارعان فكریا وجسدیا، وتختزلان
واقعنا المنحط الذي یتساوى فیھ المثقف والعامل، فیعیشان المعاناة نفسھا، وتبقى دائما الھجرة
بمثابة حلم وبدیل مُفضّل یتساوى فیھ الجمیع، أمام ھذا التناقض بین الشخصیتین یكتشف المثقف أن رفیقھ في القبو (العامل) قد وَفَّر مبلغا معینا من المال وھو یفتش بعض أثاثھ، مما جعلھ یثور في
وجھھ، وینتقد نزوعھ المادي وتكالبھ على المال، ویدعوه للإقبال على الحیاة، بدل تزویر وضعیتھ
وھو یعود لبلده متباھیا أمام أبناء عشیرتھ من خلال سیارتھ المجلوبة، وبما یحكیھ عن الغرب
والرخاء المادي المزعوم الذي عاشھ ھناك، مُنسلخا عن جلده، وھو وضع غیر صحیح، إذ عانى
واقعا مریرا في الغرب وكان بمثابة عبْد یقوم بأبخسِّ الأعمال وأضْناھا.
أمام ھذه الصدمة یقوم العامل بتمزیق نقوده، وھو ما یدل على تراجعھ عن موقفھ، بل ینزع إلى
الانتحار واضعا حبلا على عنقھ ویسقط على الأرض، إنھ نوع من القتل والوَأْد لمُسَلّمات فكریة
سابقة، وإنھ أیضا نوع من التحرر الوجودي، ومشھد الحبل والانتحار یضفي على المسرحیة في
ھذا المشھد مسحة عابثة تذكرنا بمسرحیة (في انتظار غودو) لصمویل بیكیت، كما أن طبیعةالحوار بین الشخصیتین كان یصب في ھذا المنحى، وفي نھایة المسرحیة تتلاقى الشخصیت انوتُوحِّدان رؤیتھماوتتعانقان
رغم أن الخشبة لم تكن ملائمة، وأن العرض أُجْرِيَ في مدرج للكلیة، في غیاب مُكوّن الإنارة ومایضفیه على المسرحیة من جمالیة، فإن الفرقة استطاعت أن تتكیّف مع المكان وتُبلِّغ مضمونالمسرحیة بشكل جید جعل الطلبة یتجاوبون معھ ویتلقونھ بتفاعل كبیر، ولقد تَمَیّز الممثلان بقدرةكبیرة في الإمتاع والإقناع وھما یتحركان ویتشابكان ویتحاوران في فضاء محدود مما یدل على حنكتھما في الأداء المسرحي.  واللافت للانتباه أن الدیكور المستعمل كان وظیفیا وبسیطا ومُتنقِّلا،وھو عبارة عن علبتین بلون أبیض، تستعملان للجلوس وللوقوف وللتخزین، وتستخرج منھما
إكسسوارات متنوعة. دیكور یدل على واقع المھاجر غیر القار المفعم بالتنقل والترحال والبؤس.
ویبدو أن مسرحیة (كلام اللیل) وھي تنتقل إلى رحاب الجامعة، تسعى لمسألتین مھمتین، أولا
ترسیخ الممارسة المسرحیة في الجامعة، ونقل الفرجة إلى فضاءات أكادیمیة وإلى جمھور واع
بالفعل المسرحي ودوره الریادي في التنمیة والتثقیف، وھو أمر لیس غریبا عن فرقة أمزیان إذ
سبق لھا وأن عرضت مسرحیة أخرى من قبل في الكلیة نفسھا، ثانیا تقدیم الفرجة للجمھور
(طلاب الكلیة) بلغة أمازیغیة، تشیر إلى الھویة والخصوصیة المحلیة، وتتناول موضوعا صادما
ومقلقا تعاني منھ المنطقة والبلد برمتھ، ولعل ھذا ما جعل العرض یلقى استحسانا كبیرا من متتبعیه، ویفتح آفاقا واسعة لتشكیل نواة مسرحیةوفرجویة وثقافیة تنفتح على محیطھا وغِناه في
مختلف المؤسسات العلمیة للمنطقة.
بقلم: الدكتور جمال الدین الخضیري





أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.